الأربعاء، 18 يونيو 2014

ملح المحبين

ومرت بداود بن المعتمر امرأة جميلة، فقام يتبعها حتى أدركها. فقال: لولا ما رأيت عليك من سيماء الخير لم أتبعك، فضحكت حتى استندت إلى الحائط. فقالت: إنما يمنع مثلك من الطمع في مثلي ما يرى من سيماء الخير، فإذا كان هذا هو الذي يطمع في النساء فإنا لله وإنا إليه راجعون.


وتعشق أبو القماقم السقا  قينة فبعث إليها: حضر عندي إخوان فابعثي إلي بجام لوزينج آكله على ذكرك. فبعثت إليه به. فلما كان من الغد بعث إليها: أرسل لي بطبق مازاورد آكله على ذكرك. فقالت: جعلت فداك، ذكروا أن منبع الحب من القلب، فإذا تناهى بلغ إلى الكبد، وأنا أرى حبك لا يتجاوز معدتك. فقال: إنما فعلت هذا لأقوى على محبتك، ألم تسمعي قول الشاعر:
إذا كان في قلبي طعامٌ ذكرتها ... وإن جعت لم تخطر ببالي ولا فكري
وإن كان هذا العام قد قلّ بقله ... فقبح من يهواك يا ربّة الخدر
ويزداد حبّي إن شبعت تجدّداً ... وإن جعت يوماً لم تكوني على ذكري


ومن مليح ما في هذا الباب أن أبا مسعود الأعمى كان جالساً في صحن داره، فأشرفت عليه جارية ظريفة، فعضت تفاحة ورمت بها في حجره. فتناولها وقال:
أيا تفاحة رمّت ... فؤادي للهوى رمّا
لقد أهداك إنسان ... وأهداك لأمرٍ ما
ليهدي لاعج الشوق ... إلى من عضّ أو شمّا
فلم تكن إلا ساعة حتى وافت جارية لها، معها جام لوزينج وهي تقول: مولاتي تقرئك السلام وتقول لك: قد سمعت شعرك، ورأيتك بدأت بالعض قبل الشم، فعلمت أنك جائع؛ فتبلغ بهذا الجام حتى يدرك طعامنا. قال: وكيف كنت أقول ؟ قالت: كنت تقول:
أيا تفّاحة رضّت ... فؤادي للهوى رضّا
لقد أهداك إنسانٌ ... وأهداك لما يرضى
ليهدي لاعج الشوق ... إلى من شمّ أو عضّا


وكان أحمد بن أبي طاهر قبيح الوجه، وكان له جارية من أحسن النساء، فضحك إليها يوماً فعبست في وجهه، فقال لها: أضحك في وجهك فتعبسين في وجهي ؟ فقالت: نظرت أنت إلى ما سرك فضحكت ونظرت إلى ما ساءني فعبست.


وليس هذا كقول حمرة امرأة عمران بن حطان وكان قبيحاً وكانت جميلة: إني لأرجو أن نكون جميعاً في الجنة. فقال: ولم ؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأعطيت أنا مثلك فصبرت؛ فالصابر والشاكر في الجنة.
وخطبت بعده فلبس بعض ثيابه وخرجت تتمثل بقوله:
تلبس يوماً عرسه من ثيابه ... إذا قيل هذا يا حميرة خاطب
فانصرفوا عنها.


وكان أبو الحسن جحظة البرمكي أطيب الناس غناء، وأحسنهم مجالسة، وأمتهم مؤانسة، وكان قبيح المنظر جداً جاحظ العينين وفيه يقول ابن الرومي:
نبئت جحظ يستعير جحوظه ... من فيل شطرنج ومن سرطان
يا رحمتي لمنادميه تحملوا ... ألم العيون للذّة الآذان

=================================

أبو عمران
2014-6-17

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق